في عالم السياسة، كما في أي مجال آخر، يبقى الابتكار عنصرًا حاسمًا في تطور المجتمعات واستجابتها للتحديات المتغيرة. غير أن الابتكار السياسي لا يأتي دائمًا بصيغة واحدة؛ فهو في خضمّ أزمة الثقة المتفاقمة بين المواطن ومؤسسات الدولة، تبرز الحاجة العاجلة إلى إصلاح إداري عميق وشامل، لا يكتفي بترقيعات ظرفية أو محاولات تلميع واجهة البيروقراطية، بل يسعى إلى بناء إدارة حديثة، فعالة، ومسؤولة. من هذا المنطلق، يعمل القرار الحرّ على صياغة استراتيجية وطنية للإصلاح الإداري، تنطلق من رؤية واضحة: الإدارة ليست سلطة فوق المواطن، بل أداة لخدمته وضمان حقوقه، وخط دفاع أول عن المصلحة العامة والسيادة الوطنية.

نحن لا نعتبر الإدارة مجرد جهاز تنفيذي، بل نراها مرآة تعكس فلسفة الحكم واختياراته الكبرى. وحين تتحول هذه الإدارة إلى عبء أو عائق، فإنها تصبح خطرًا على العدالة والتنمية، بل وعلى وحدة الدولة نفسها. لذلك فإن إصلاح الإدارة في تونس ليس شأناً تقنياً محضاً، بل معركة سياسية بامتياز، تتطلب وضوحاً في التوجه، وشجاعة في المواجهة، ومشروعاً في العمق.

القرار الحرّ لا يقترح تفاصيل تقنية معزولة، بل يطرح معالم استراتيجية تقوم على سبعة محاور كبرى، تترابط فيما بينها لتخلق بيئة إدارية جديدة، تؤسس لمفهوم حديث في علاقة الدولة بمواطنيها، وتقطع مع ممارسات الفساد، التراخي، والمحسوبية التي نخرت أجهزة الدولة لعقود.

هذه الاستراتيجية تتعامل مع الإدارة باعتبارها:

  • أداة لتنفيذ السياسات العمومية بكفاءة.
  • مساحة للمساءلة والرقابة الشعبية.
  • ركيزة للاستثمار، النمو، والعدالة الاجتماعية.
  • واجهة حضارية للدولة في تعاملها مع المواطن.

ولهذا، يقوم تصوّرنا على:

  • تأسيس هيكل رقابي وطني مستقل، يضمن التقييم المستمر والموضوعي لأداء المؤسسات والموظفين.
  • إعادة الاعتبار للمواطن كمراقب وشريك في إصلاح الإدارة، من خلال آليات مبتكرة.
  • فرض منطق النتائج والمساءلة في إدارة المؤسسات العمومية، وخاصة تلك ذات الطابع الربحي.
  • التخلّص من الهياكل المتكلّسة التي لم تعد تخدم المصلحة العامة، وتحويل الموارد نحو القطاعات الحيوية.
  • ترشيد الموارد العمومية دون المساس بجودة الخدمات، من خلال حسن التصرّف في ملفات مثل ملف السيارات الإدارية.
  • تسريع مسار رقمنة الإدارة بما يعزز الشفافية، يسهّل حياة المواطن، ويقلّص من الاحتكاك المباشر مع الفساد.
  • إعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمواطن، بما يجعل من كلّ موظف عمومي خادماً فعلياً للشعب لا متسلطاً عليه.

إنّنا في القرار الحرّ نؤمن بأن الإصلاح الإداري ليس ملفاً ثانوياً أو هامشياً، بل هو نقطة الانطلاق نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فلا تنمية دون إدارة ناجعة، ولا عدالة دون مؤسسات نزيهة، ولا سيادة دون دولة قوية، قادرة، ورشيقة.

الإدارة ليست آلة عمياء، بل كيان اجتماعي يجب أن ينبض بقيم النزاهة، الكفاءة، والانتماء الوطني. لهذا، فإن معركتنا ليست فقط ضد الفساد، بل ضد ثقافة التواكل، والجمود، وغياب الشعور بالمسؤولية. وهي معركة طويلة، تتطلب تعبئة وطنية، قيادة شجاعة، ودعمًا شعبيًا واسعًا.

إن إصلاح الإدارة هو البداية الحقيقية لإعادة بناء العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة. ومع القرار الحرّ، نفتح هذا المسار بإرادة واضحة، ونطرحه على الشعب كحق، لا كمنّة.

الولاء للوطن، السيادة للشعب.

القرار الحرّ


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *